الكلمة الافتتاحية لرئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان منتدى الرباط العالمي لحقوق الإنسان مدينة الأنوار 17 فبراير 2023

السيدة المديرة التنفيذية للمركز الدولي للنهوض بحقوق
الإنسان،
السيد وزير العدل
السيد رئيس النيابة العامة
السيدة نائبة المدير العام للمنظمة العالمية للهجرة
السيد المندوب العام لإدارة المؤسسات السجنية والادماج
السيد رئيس الهيئة الوطنية لمحاربة الرشوة
زميلاتي وزملائي رؤساء المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان
وشبكاتها الإقليمية والتحالف العالمي؛
السيدات والسادة السفراء
السيدات والسادة ممثلي القطاعات الحكومية والمؤسسات
الوطنية؛
الصديقات والأصدقاء
الحضور الكريم

أود أن أستهل كلمتي أولا بالترحيب بكن وبكم جميعا، باسم
المجلس الوطني لحقوق الإنسان بالمملكة المغربية والمركز
الدولي للنهوض بحقوق الإنسان بجمهورية الأرجنتين. في
منتدى الرباط العالمي لحقوق الإنسان المنعقد على مدى
يومين، تمهيدا للمنتدى العالمي لحقوق الإنسان ، آملة، أن
تتمكنوا أثناء مقامكم ، من زيارة مدينة الرباط، عاصمة
الأنوار تراث العالمي لمنظمة اليونسكو.

نستقبل اليوم العديد من الشخصيات البارزة، من آفاق مختلفة
ودول عديدة. بتنوع مساراتنا والتقائية آفاق اشتغالنا، نلتئم
اليوم ، في هذا الملتقى الدولي ،الذي نريده خلوة للمدافعات
والمدافعين عن حقوق الإنسان، بهدف تجديد التزامنا بقيمنا
المشتركة في مواجهة التحولات السريعة التي يمر بها العالم.
اليقظة الدائمة والمتواصلة ، السيدات والسادة، ضرورية
واساسية من أجل دراسة التحديات وتحديد الأولويات وإعمال
الاستراتيجيات، انطلاقا من كونية حقوق الإنسان لخدمة
الشيء المحلي.

لا تفوتني الإشادة في هذه الجلسة الافتتاحية والاعتزاز، نيابة
عن جميع الحاضرين بعمل المدافعات والمدافعين عن حقوق
الإنسان في إفريقيا ، أولا وأمريكا اللاتينية وباقي المناطق
بالتزامهم ومبادراتهم من أجل حقوق الإنسان.

كما أود أن أتوجه بالشكر أيضا لفرق العمل ،متعددة
التخصصات ،على التفاني والاجتهاد والحرص على تفاصيل
تنظيم هذا المنتدى، الذي يأتي قبل الدورة الثالثة للمنتدى
العالمي لحقوق الإنسان، والإشادة بيسر وسلاسة التعاون بين
المؤسستين المنظمتين: المجلس الوطني لحقوق الإنسان
بالمغرب والمركز الدولي للنهوض بحقوق الإنسان
بالأرجنتين.
على هذا النحو، استقر قرارنا المشترك، واخترنا ثلاثة محاور
رئيسية للنقاش خلال هذا الملتقى الدولي: العدالة الانتقالية
والذاكرة، الهجرة والتغيرات المناخية. وليس فقط من نافل
القول هنا، أن المغرب يعتز بتجربته الفريدة والقوية في كل
واحد من هذه الميادين.
لن أقف في كلمتي ، عند تجارب العدالة الانتقالية لكل دولة ،
بما في ذلك تجربة بلدي، ولا عند الأهمية التي نوليها لمحور
الذاكرة، باعتبارها أولوية استراتيجية لدى المجلس الوطني
لحقوق الإنسان. الذي أحدث ، منذ ما يقارب السنتين ، وحدة
خاصة بالحفاظ على الذاكرة والنهوض بالتاريخ بجميع
روافده، في سياق تنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة.
وفي إطار السعي المتواصل لتملكٍ أمثل للديناميات وما أفرزه
ماضي الانتهاكات؛ سواء على المستوى الاقتصادي أو
السياسي أو الاجتماعي أو الثقافي.
الذاكرة تيمة جوهرية وأولوية كبرى، ليس من السهل أحيانا
إيجاد كلمات لتحديد ماهيتها أو حصر مختلف حيثياتها، لأنها
رمز تمتلكه شعوب وأمم بأكملها. موضوع معقد للغاية تتطلب

مقاربته إحاطة تامة بكافة تجلياته. كلنا أمل أن تنير نقاشات
هذا الملتقى الدولي مساراتنا ومقارباتنا ، انطلاقا من تجارب
وخبرات كل فاعل من الفاعلين المشاركين في المنتدى

علاوة على العدالة الانتقالية والذاكرة، السيدات والسادة، لا
يساورني أدنى شك بخصوص ثراء محتوى النقاش الذي
سنخصصه لقضايا الهجرة والتغيرات المناخية وعمقه وغناه،
وهما موضوعان ذوا راهنية كبرى وترابط وثيق، لا سيما
على مستوى إفريقيا وأمريكا اللاتينية.
لقد كان اختيار نقاش هذين التحديين الرئيسيين في مجال
حقوق الإنسان، هنا بمدينة الأنوار الرباط، بهذا الحضور
المتميز ، موفقا بامتياز. ذلك أن الدول التي توصف ب "
الديمقراطيات الناشئة" في جعبتها، دونما شك، الكثير بشأن
هذا النقاش، كما ظهر جليا خلال لقاءات إعداد الميثاق العالمي
للهجرة أو أثناء اعتماده خلال قمة مراكش.
أود في هذا السياق، التعبير عن الانشغال من عدم مصادقة،
ولو دولة "غربية" واحدة، على الاتفاقية الدولية لحماية
المهاجرين وأسرهم، في الوقت الذي تخضع فيه بلداننا
طواعية للاستعراض والتقييم الشامل… وكأن لون بشرة
معين أو معتقد ديني معين يملي كرامة الإنسان أو يجعل من
صاحبه موضوع ظلم فطري متأصل.
وباسم مجموعة العمل المعنية بالهجرة، للشبكة الأفريقية
للمؤسسات الوطنية ، التي يترأسها المجلس الوطني لحقوق
الإنسان، أغتنم هذه الفرصة من أجل التأكيد على زخم وتيرة

عملنا المشترك ومبادراتنا داخل هذه المجموعة الإفريقية، من
أجل حماية المهاجرات والمهاجرين وأسرهم في حقهم في
التنقل وسنغتنم فرصة المنتدى لعقد اجتماع مجموعتنا
وأود أن أتقاسم معكن ومعكم ، شذرات أفكارٍ بخصوص ما
يجمعنا اليوم. فعلى الرغم من المسافة الجغرافية واختلاف
اللغات والثقافات، فتاريخنا مشترك وواحد. فنحن نشترك في
كوننا مستعمرات سابقة، مع كل التداعيات الاقتصادية
والسياسية والاجتماعية لهذه الفترات الأليمة و التي نعرفها
جميعا.
مساراتنا المتنوعة السيدات والسادة، في مجال تعزيز سيادة
القانون تتداخل ويغذي بعضها البعض. ف "الديمقراطيات
الناشئة"، كما يصفها البعض، تتقاسم الكثير من التجارب
والممارسات تتشابه في بنياتها: من ماض انتهاكات جسيمة
لحقوق الإنسان ثم تجارب فريدة في مجال العدالة الانتقالية،
فمساهمات متميزة في الاجتهادات الدولية في مجال جبر
الأضرار وضمان عدم التكرار، ثم دينامية وزخم منقطع
النظير على مستوى مجتمعاتها المدنية.
الأكيد أنه من الصعب، تحديد مدى نجاح كل واحدة من هذه
التجارب وحجم الجهود التي يتعين القيام بها . غير أن هذا لا
يمنع من القول إننا في المغرب، كما هو الحال في العديد من
الدول الأخرى، في مرحلة تنفيذ مفهوم المساءلة أو المسؤولية
العرضانيةhorizontal accountability
responsabilidad horizontal، للمفكر الأرجنتيني.
Guillermo O’Donnell.

أي أننا بعد مرحلة أولى من بناء المساطر ووضع الإجراءات
والسياقات العامة – من انتخابات حرة وشفافة ودستور
ديمقراطي واستقلالية القضاء – انتقلنا إلى مرحلة البناء
المؤسساتي، ضمن شبكة فعالة قادرة على التقييم والإنذار
والتدخل في حال المس بالحقوق الأساسية للمواطنات
والمواطنين أو عند وجود احتمال وقوع انتهاك أو مس من
هذا القبيل.
لنكون بذلك بصدد ، تدشين مرحلة جديدة من الإصلاحات ،
تهدف إلى جعل الدولة ، مدافعة عن حقوق وحريات ومصالح
المواطنات والمواطنين، وخاصة منهم الفئات الأكثر هشاشة،
ونقصد بها الفئات الهشة اجتماعيا واقتصاديا ،النساء والأطفال
والمهاجرون واللاجئون.
لذلك كان المجلس الوطني لحقوق الإنسان بالمغرب حريصا
أشد الحرص على اعتماد مفهوم فعلية الحقوق، ولا سيما الحق
في الصحة والتعليم والفضاء المدني. كما أولينا اهتماما خاصا
بالقضايا المتعلقة بحقوق النساء وحقوق الأطفال.
أود ، في هذا السياق ، أن أشدد على أن قرار صاحب الجلالة
بمراجعة قانون الأسرة، للمرة الثانية في أقل من 20 سنة،
شكل خطوة كبرى وتقدم جوهري غاية في الأهمية بالنسبة
للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، الذي ما فتئ يواصل
باستمرار وإصرار حملاته بشأن هذه القضايا المعقدة للغاية
والمتأصلة في تقاليد المجتمع المغربي. مهما كانت الضغوط
الخارجية التي تمارس على المجتمع المغربي.

أود، كذلك، أن أعبر لكن ولكم، عن حجم الفخر الذي
يساورانا نحن ، المدافعات والمدافعون عن حقوق الإنسان
بدول الجنوب. لأننا نجحنا بالفعل في قطع مسافات وأشواط
عديدة، بالرغم من مواجهة أقوى التحديات وأصعب التجارب
وأقسى العقبات.
لقد اخترنا سلك هذا الطريق. ويتوجب علينا الاحتفاء بذاكرة
هذه الانتصارات. كما أننا على إدراك تام بحجم التحديات التي
تنتظرنا.
فمساهماتنا في وضع المعايير والقيم الكونية وتطويرها،
ليس ترفا ولا صدفة عابرة، بل هي مسارات جديدة
ومتجددة، مساراتنا، نحو تكريس دولة الحق والقانون.
لا يسعني في هذا السياق سوى القول بكل قوة وحزم أننا
اخترنا الحوار في خلوة ذات رمزية وقيمة معنوية عالية، في
وقت تستخدم بعض الديمقراطيات، التي توصف بالتقليدية،
حقوق الإنسان كسلاح في رهانات سياسية عابثة، حد المس
بجوهر القيم والفعل الحقوقي.
الأكيد أن عمل المدافعة أو المدافع عن حقوق الإنسان عمل لا
نهاية له.
فالأمر لا يرتبط بوظيفة أو منصب. بل هو اختيار وشغف
وروح وكينونة. لقائنا اليوم في هذا المنتدى ليس تعبيرا عن
قناعة أو إيمان بكونية حقوق الإنسان فحسب، بل هو أولاً
وقبل كل شيء، واجب تجاه أخواتنا وإخواننا في كل الأنحاء
وإيمان وثقة بمواطنينا.

وأختم كلمتي بتوجيه الدعوة للجميع، من أجل توحيد
أصواتنا، من الرباط إلى بوينس آيرس، وما دونهما، دعونا
نوحد أصواتنا في صوت واحد. صوت ضد التمييز والكرامة
والعدالة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى