أصبحت الصحافة في عصرنا الحاضر في صلب الحياة اليومية للإنسان. وهي بوسائلها وتقنياتها الحديثة والمتطورة تعد من وسائل الحوار والتبادل والاتصال الثقافي بين الأفراد والمجتمعات والشعوب، ونشر النماذج السياسية والثقافية القادرة على التأثير في أنماط السلوك الفردي والجماعي، وأيضا شرطا من شروط التنمية وأساسا للممارسة الديمقراطية. فلا تنمية بدون ديموقراطية، ولا ديمقراطية بدون صحافة حرة ومستقلة. فضلا عن كونها وسيلة لنقل الأخبار وتكوين الرأي العام وتؤثر بشكل كبير فى بناء الوعي المجتمعي وأداة مهمة لمراقبة أداء السلطات الثلاث وتقييم عملها.
ثم لا يخفى أن الصحافة، سواء كانت ورقية أو إلكترونية، تسهم في ترسيخ ثقافة المجتمع وفتح الآفاق لتحصين دولة الحق و القانون وحماية حقوق الإنسان والارتقاء بها ، لأن الاعلام بشكل عام يعد مدخلا فسيحا لتعزيز احترام حقوق الإنسان و يشكل جـوهر هذه الحقوق، لأنه بغير حرية الرأي والتعبير، لا تتحقق صحافة مستقلة وقوية ومؤثرة.
وقد تعاظم الدور الكبير للصحافة في ظل التقدم التقني الواسع الذي حققته صـناعة الإعـلام وكذلك التقدم الذي أحرزه الإعلام في نشر المعرفة والوعي وتواصل الشعوب و تقاربها، ونقل الآراء والأخبار عبر تقنيات الاتصال الحديثة والمتطورة واتساع فضاء شبكات التواصل الاجتماعي. كما تعزز دورها عبر التطورات المتسارعة في تقنيات الاتصال، بظهور الإعلام الإلكتروني، ووسائل التواصل الاجتماعي.
و ينبغي التأكيد على أن ضمان حرية التعبير وحرية الصحافة، كما هما مكرستان في الدستور، يقتضي أن تتوافر لدى الصحفيين أكبر التسهيلات الممكنة للحصول على المعلومة كحق أساسي وضروري للتمتع بباقي الحقوق، لأن الصحافة لن تستطيع أن تؤدي وظيفتها إلا إذا لم تتوافر لها مناخ الحرية والاستقلال. تلك الحرية التي نص عليها الدستور كما أشرنا إلى ذلك، وكذا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مادته التاسعة عشرة : ( حرية الرأي والتعبير ويشمل ذلك حرية اعتناق الآراء واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها ).
وتحتفل بلادنا يوم 3 مايو من كل عام باليوم العالمي للصحافة ، وهي مناسبة أن نفتخر بما بلغته الصحافة من مستويات مهنية متقدمة وتطورات ملحوظة في أداء رسالتها و مشاركتها الفاعلة في ترسيخ الديمقراطية ودولة الحق والقانون ، في إطار من التعددية والانفتاح الثقافي والفكري، بفضل الصحفيات و الصحافيين و تضحياتهم ، والمخاطرة بأنفسهم أحيانا ، من أجل الحصول على المعلومة و التقاط الصورة ، و إيصالها إلى الرأي العام ، مما يقتضي احترام حرية الصحافة وحرية التعبير و الحق في الحصول على المعلومة وتداولها في بيئة إعلامية حرة و مستقلة ، و توفير لكافة الصحفيات و الصحافيين الظروف المادية و المعنوية للإبداع و العطاء .
إن الاحتفال باليوم العالمي للصحافة مناسبة لكل المتدخلين في القطاع للتفكير في فتح ورش جديد لإصلاح قانون الصحافة والنشر وكل القوانين المرتبطة به من أجل تكريس أكثر لحرية الصحافة وتوفير الظروف الملائمة لممارستها.
ذلك أن الإصلاحات التي عرفها قانون الصحافة والنشر سنتي 2002 و2016 ، فضلا عن إحداث هيئات للسهر على حرية الإعلام والاتصال واحترام التعددية كالهيئة العليا للاتصال السمعي البصري أو التنظيم الذاتي لمهنة الصحافة كالمجلس الوطني للصحافة ، تكتسي أهمية بالغة في ظل الإصلاحات السياسية والمؤسساتية التي عرفها المغرب خلال العشرين سنة الماضية ، لكن ، على الرغم من ذلك ، يجب فتح ورش جديد من أجل إصلاح قانون الصحافة والنشر والقانون الأساسي للصحافي المهني، في سياق مواكبة التحولات التي يشهدها المغرب في المجال السياسي والاعلامي، والاستجابة لانتظارات المهنيين بما يضمن الحرية في إطار المسؤولية، ومواكبة التحولات التكنولوجية الجارية، أخذا بعين الاعتبار تطور الإعلام الإلكتروني وتعاظم دوره وتأثيره في المجتمع ، تأهيل المقاولة الصحفية وتعزيز احترافيتها، والنهوض بقيم المسؤولية في الممارسة الصحفية، والنهوض بالأوضاع الاجتماعية للصحفيين توفير بيئة قانونية وتنظيمية تدعم حرية الصحافة وتساهم في تأهيل قطاع الإعلام ببلادنا.
كذلك ينبغي التفكير في آليات قانونية و تنظيمية ومؤسساتية لتمكين مهنة الصحافة من القدرة على مواجهة الأزمات المستقبلية ، كما حصل بالنسبة لأزمة جائحة كورونا التي أثرت بشكل كبير في قطاع الصحافة والنشر والطباعة ، وطرحت تحديات كبرى أمام الصحافة الورقية